الخميس، 20 سبتمبر 2012

السخرية عبر وسائل الإعلام من الأشخاص من الغيبة المحرمة







السخرية عبر وسائل الإعلام من الأشخاص من الغيبة المحرمة

السؤال : إذا سخر شخص من شخص من خلال مواقع اليوتيوب ونحن نرى ذلك، فهل يعد هذا من مجالس الاغتياب؟.

 الإجابــة
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 182857، أن ذكر الشخص بما فيه مما يكره يعتبر غيبة، ويكون ذلك أشد إذا كان عبر وسائل الإعلام، لما فيه من نشر عيوبه وإشاعتها، فقد عرف النبي صل الله عليه وسلم الغيبة بقوله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.
 ومعنى بهته أي قلت فيه البهتان والكذب.

 والسخرية تعتبر من جملة الغيبة المحرمة، فقد قال الإمام الغزالي: الذكر باللسان إنما حُرِّم، لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيكَ، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يُفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام، ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها:

 دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال عليه السلام: اغتبتها. اهـ.

وقال الحافظ في الفتح: وقد اختلف في حد الغيبة وفي حكمها، فأما حدها فقال الراغب: هي أن يذكر الإنسان عيب غيره من غير محوج إلى ذكر ذلك، وقال الغزالي: حد الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، وقال ابن الأثير في النهاية: الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه، وقال النووي في الأذكار تبعاً للغزالي: ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خُلقه أو خَلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو حركته أو وطلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز، قال النووي: وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء في التصانيف وغيرها كقولهم: قال بعض من يدعي العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به، ومنه قولهم عند ذكره: الله يعافينا، الله يتوب علينا، نسأل الله السلامة، ونحو ذلك، فكل ذلك من الغيبة... انتهى.

 وقد ذكرنا في بعض الفتاوى السابقة أن من اغتيب شخص بحضرته فلا يجوز له استماع الغيبة وإقرارها والرضى بها، فمن فعل ذلك يعتبر مغتاباً، وإنما يسلم من ذلك بالقيام بما يجب عليه من الإنكار على المغتاب حسب الاستطاعة وعدم الرضى بفعله وعدم مواصلة المجالسة له، كما قال النووي في رياض الصالحين مبوباً على ذلك: باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها، فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه. انتهى.

ثم ذكر رحمه الله عدة أدلة في الموضوع منها حديث أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صل الله عليه وسلم قال:

 من رد عن عرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن...

وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 75535، عدم إثم من يسمع الغيبة إذا لم يكن راضياً بالاغتياب ومنكراً له حسب الاستطاعة، فنرجو مراجعتها.

والله أعلم. اسلام ويب . مركز الفتوي




الغيبة والنميمة وما يتعلق بهما من أحكام


السؤال : أرجو إعطائي تعريفاً واضحاً لكلمة (الغيبة)، وكذلك (النميمة)، وكذلك (الهمز)، و (اللمز) كما جاء في قول الله تعالى (ويل لكل همزة لمزة) صدق الله العظيم.
 وسؤالي هذا موجه لكم من أمريكا ولعله يفيدني ويفيد الكثير من زملائي، حيث أنني أشعر أن تلك الكلمات تعبر عن مرض عصرنا ومرض كل إنسان، لعلنا نقدر على علاج أنفسنا.
الإجابــة

فالغيبة:

عرفها العلماء بأنها اسم من اغتاب اغتياباً، إذا ذكر أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، فإن لم تكن فيه فهو البهتان، كما في الحديث:
قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال:

ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته. رواه مسلم.

والغيبة محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وعدَّها كثير من العلماء من الكبائر، وقد شبه الله تعالى المغتاب بآكل لحم أخيه ميتاً فقال:

 أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه [الحجرات: 12].

ولا يخفى أن هذا المثال يكفي مجرد تصوره في الدلالة على حجم الكارثة التي يقع فيها المغتاب، ولذا كان عقابه في الآخرة من جنس ذنبه في الدنيا، فقد مرَّ النبي صل الله عليه وسلم ـ ليلة عرج به ـ بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، قال: فقلت:
 "من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم"
والأحاديث في ذم الغيبة والتنفير منها كثيرة.

وأسبابها الباعثة عليها كثيرة منها:

الحسد، واحتقار المغتاب، والسخرية منه، ومجاراة رفقاء السوء، وأن يذكره بنقص ليظهر كمال نفسه ورفعتها، وربما ساقها مظهراً الشفقة والرحمة، وربما حمله عليها إظهار الغضب لله فيما يَدَّعي.. إلى غير ذلك من الأسباب.

وأما علاجها فله طريقان:
 طريق مجمل، وطريق مفصل كما ذكر الغزالي فالأول:
أن يتذكر قبح هذه المعصية، وما مثل الله به لأهلها، بأن مثلهم مثل آكلي لحوم البشر، وأنه يُعرِّض حسناته إلى أن تسلب منه بالوقوع في أعراض الآخرين، فإنه تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه بدلاً عما استباحه من عرضه، فمهما آمن العبد بما ورد من الأخبار في الغيبة لم يطلق لسانه بها خوفاً من ذلك.

أما طريق علاجها على التفصيل: فينظر إلى حال نفسه، ويتأمل السبب الباعث له على الغيبة فيقطعه، فإن علاج كل علةٍ بقطع سببها.
فإن وقع العبد في هذا الذنب فليرجع إلى الله سبحانه وليتب إليه، وليبدأ فليتحلل ممن اغتابه، ففي الحديث عن النبي صل الله عليه وسلم قال:

من كانت له عند أخيه مظلمة من عرضه أو شيء فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.. متفق عليه من حديث أبي هريرة،
 فإن خشي إن تحلله أن تثور ثائرته ولم يتحصل مقصود الشارع من التحلل، وهو الصلح والألفة، فليدع له، وليذكره بما فيه من الخير في مجالسه التي اغتابه فيها، ومما ينبغي التنبه له أن الشارع أباح الغيبة لأسباب محددة من باب الدخول في أخف المفسدتين دفعا لأعظمهما وهي:

الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.

الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.

الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص ودفع ظلمه عني؟

الرابع: تحذير المسلمين من الشر، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً ، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له ، أو نحو ذلك ، فإنك تذكر لهم ذلك نصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.

الخامس: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر.

السادس: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى والأعمى والأعور والأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقيصاً. ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى . وقد نص على هذه الأمور الإمام النووي في شرحه لمسلم ، وغيره. والله أعلم.

أما الهمز واللمز:
 فهما من أقسام الغيبة المحرمة، فالهَّماز بالقول، واللمَّاز بالفعل، قال الإمام الغزالي: الذكر باللسان إنما حُرِّم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيكَ، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يُفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام.
 ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها:
دخلت علينا امرأة فلما ولت أومأت بيدي: أنها قصيرة، فقال عليه السلام: اغتبتها" أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة.

أما النميمة:
فهي السعي للإيقاع في الفتنة والوحشة، كمن ينقل كلاماً بين صديقين، أو زوجين للإفساد بينهما، سواء كان ما نقله حقاً وصدقاً، أم باطلاً وكذباً، وسواء قصد الإفساد أم لا، فالعبرة بما يؤول إليه الأمر، فإن أدى نقل كلامه إلى فساد ذات البين فهي النميمة، وهي محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، فأما الكتاب فقد قال تعالى:
 (هماز مشاءٍ بنميم) [القلم: 11].
أما السنة فقد مر النبي صل الله عليه وسلم بقبرين فقال:
إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول . متفق عليه
 وروى أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه عن أبي الدرداء أن النبي صل الله عليه وسلم قال:
ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هي الحالقة.

وأما الإجماع فقد قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر: قال الحافظ المنذري أجمعت الأمة على تحريم النميمة، وأنها من أعظم الذنوب عند الله ـ عز وجل ـ انتهى.

وليحذر المسلم هذا الداء العضال، وليجعل بينه وبينه جُنَّة تقيه لفح جهنم وحرها يوم القيامة، وليسع في الإصلاح ما استطاع.
والله أعلم.  اسلام ويب . مركز الفتوي