الخميس، 20 سبتمبر 2012

كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ** الجزاء من جنس العمل




الجزاء من جنس العمل ** وكما تدين تدان

  
 السؤال : ( كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ) ماذا يدل على صحة هذه المقولة من الدين ؟


( كما تدين تدان ) ، أو ( الجزاء من جنس العمل ) ، حكمة بليغة تناقلها الناس قديما ، وجاءت الشواهد من الكتاب والسنة دالة على صدقها ، فهي سنة كونية جعلها الله سبحانه وتعالى عظة وعبرة للناس .يقول ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة" (1/71) :" تظاهر الشرع والقدر على أن الجزاء من جنس العمل " انتهى .وروى عبد الرزاق في "المصنف" (11/178) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال :قال رسول الله صل الله عليه وسلم :

 البِرُّ لا يَبْلَى ، وَالِإثْمُ لَا يُنْسَى ، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ ، فَكُن كَمَا شِئتَ ، كَمَا تَدِينُ تُدَانُ وعن مالك بن دينار قال : مكتوب في التوراة ( كَمَا تَدِينُ تُدَانُ ، وَكَمَا تَزرَعُ تَحصُدُ )رواه الخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (98)

قال ابن قتيبة رحمه الله: ويقولون "كما تَدِينُ تُدان" أي: كما تَفعل يُفعل بك، وكما تُجازِي تُجازَى، وهو من قولهم : "دِنْتُه بما صَنَعَ" أي: جازيته.

قال في لسان العرب (13/164) : " أي : كما تُجازِي تُجازَى ، أي : تُجَازَى بفعلك وبحسب ما عملت " انتهى .وهي قاعدة عظيمة مطردة في جميع الأحوال ، وبالتأمل في الكتاب والسنة نجد شواهد ذلك:

فقد عاقب الله تعالى المنافقين بجنس ما أذنبوا وارتكبوا ، فقال في سورة البقرة :

 وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ  فعاقبهم على استهزائهم بدين الله عقابا من جنس عملهم ، فقال سبحانه :

 اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ  البقرة/14-15

وقال تعالى في سورة التوبة :

 الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ، سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  التوبة/79

قال ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (4/128) : قوله ( سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ ) من باب المقابلة على سوء صنيعهم واستهزائهم بالمؤمنين ؛ لأن الجزاء من جنس العمل " انتهى . وكذلك الحدود التي شرعها الله تعالى ، كان الجزاء فيها من جنس العمل .يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى :

وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  المائدة/38 

" أي مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم ، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك ، والجزاء من جنس العمل " انتهى .

ومما وعد الله به عباده المؤمنين قوله تعالى :

 هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ  الرحمن/60

قال ابن القيم في "بدائع الفوائد" (3/528) : لأن الجزاء من جنس العمل ، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن الله إليهم برحمته . انتهى .

كما رتب الله تعالى من الأجور والثواب على بعض الأعمال ما هو مشاكل ومناسب للعمل نفسه ، 

ومن ذلك :قوله تعالى :  وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ  البقرة/40

وقوله تعالى :  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ  البقرة/152

وقوله سبحانهيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ  محمد/7

وقوله سبحانهوَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  النور/22

يقول ابن كثير رحمه الله "تفسير القرآن العظيم" (3/368) :" فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك ، وكما تصفح نصفح عنك " انتهى .

ومن السنة أحاديث كثيرة ، منها :

قوله صل الله عليه وسلم : ارحَمُوا مَن فِيْ الأَرضِ يَرحَمْكُمْ مَن فِي السَّمَاءِ  .رواه أبو داود (4941) وصححه الألباني في صحيح أبي دواد .

وقوله صل الله عليه وسلم : احفَظِ اللَّهَ يَحفَظْكَ . رواه الترمذي (2516) وقال : حسن صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : المُسلِمُ أَخُو المُسلِمِ لا يَظلِمُهُ وَلا يُسْلِمُه ، مَن كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَن فَرَّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنهُ بِهَا كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ . رواه البخاري (2442) ومسلم (2580)

قال ابن رجب "جامع العلوم والحكم" (1/338) : هذا يرجع إلى أن الجزاء من جنس العمل ، وقد تكاثرت النصوص بهذا المعنى . انتهى .ومن ذلك أيضا ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ، في قول الله تعالى للرحم حين تعلقت به سبحانه :

  أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ ؟ قَالَت : بَلَى ، قَالَ : فَذَاكِ لَكِ . رواه البخاري (4830) ومسلم (2554) .

وقد جاء في السنة من الوعيد على بعض الذنوب ما هو مناسب ومشاكل لها ، فمن ذلك :قوله صل الله عليه وسلم :

 مَن لَعَنَ شَيئًا لَيسَ لَهُ بِأَهلٍ رَجَعَتِ الَّلعنَةُ عَلَيهِ .رواه الترمذي (1978) وقال : حسن غريب .وقوله صل الله عليه وسلم :

 مَن ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ ، وَمَن شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيهِ .رواه الترمذي (1940) وقال : حسن غريب

ومنه ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : 

مَن سُئِلَ عَن عِلمٍ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلجِمَ يَومَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِن نَارٍ .رواه الترمذي (2649) وقال : حديث حسن .

قال المناوي في "فيض القدير" (6/146) : " الحديث خرج على مشاكلة العقوبة للذنب " انتهى وهكذا كلما تأملت في نصوص الوحي ، وفي حوادث التاريخ ، وفي سنن الله في أرضه ، تجد أنها لا تتخلف عن هذه السنة ( الجزاء من جنس العمل ، وكما تدين تدان ) ، وذلك من مقتضى عدله وحكمته سبحانه وتعالى ، فمن عاقب بجنس الذنب لم يظلم ، ومن دانك بما دنته به لم يتجاوز :فَلا تَجزَعنَ مِن سُنَّةٍ أَنتَ سِرتَها       وَأَوَّلُ راضي سُنَّةٍ مِن يَسيرُها والله أعلم . الشيخ محمد صالح المنجد .. الإسلام سؤال وجواب


 ليتنا نتدبر هذه الايه :

كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) سوره المدثر

و كان العناية في عد كل نفس رهينة أن لله عليها حق العبودية بالإيمان و العمل الصالح فهي رهينة محفوظة محبوسة عند الله حتى توفي دينه و تؤدي حقه تعالى فإن آمنت و صلحت فكت و أطلقت، و إن كفرت و أجرمت و ماتت على ذلك كانت رهينة محبوسة دائما، و هذا غير كونها رهين عملها ملازمة لما اكتسبت من خير و شر كما تقدم في قوله تعالى:

كل امرىء بما كسب رهين: الطور 21.