السبت، 31 يوليو 2010

صلاة التراويح


صلاة التراويح
للعلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني
- 1 - تمهيد في استحباب الجماعة في التراويح
لا يشك عام اليوم بالسنة في مشروعية صلاة الليل جماعة في رمضان هذه الصلاة التي تعرف بصلاة التراويح لأمور ثلاثة :
أ - إقراره صل الله عليه وسلم بالجماعة فيها
ب - إقامته إياها .
ج - بيانه لفضلها .

أما الإقرار فلحديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي قال :
- 1 ( حسن ) خرج رسول الله صل الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان فرأى ناسا في ناحية المسجد يصلون فقال : ما يصنع هؤلاء ؟ قال قائل : يا رسول الله هؤلاء ناس ليس معهم قرآن وأبي بن كعب يقرأ وهم معه يصلون بصلاته
فقال : " قد أحسنوا " أو " قد أصابوا " ولم يكره ذلك منهم

رواه البيهقي ( 2/495 ) وقال هذا مرسل حسن .. قلت : وقد روي موصولا من طريق آخر عن أبي هريرة بسند لابأس به في المتابعات والشواهد أخرجه ابن نصر في قيام الليل ( ص 20 ) وأبو داود ( 1/217 ) والبيهقي ]

ب - وأما إقامته صل الله عليه وسلم إياها ففيه أحاديث :
الأول

- 2 ( صحيح ) عن النعمان بن بشير قال : قمنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان إلى ثلث الليل الأول ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل ثم قام بنا ليلة سبع وعشرين حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح قال وكنا ندعو السحور الفلاح
رواه ابن أبي شيبة في المصنف ( 2/90/2 ) وابن نصر ( 89 ) والنسائي ( 1/238 ) وأحمد ( 4/272 ) والفرياني واسناده صحيح وصححه الحاكم 1/440 ) وقال :
وفيه الدليل الواضح أن صلاة التراويح في مساجد المسلمين سنة مسنونة وقد كان علي بن أبي طالب يحث عمر رضي الله عنهما على إقامة هذه السنة إلى أن أقامها .

الثاني :
- 3 ( صحيح ) عن أنس قال : كان رسول الله صل الله عليه وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت إلى جنبه ثم جاء آخر ثم جاء آخر حتى كنا رهطا فلما أحس رسول الله صل الله عليه وسلم أنا خلفه تجوز في الصلاة ثم دخل منزله فلما دخل منزله صلى صلاة لم يصلها عندنا فلما أصبحنا قلنا : يا رسول الله أو فطنت لنا البارحة ؟ فقال : نعم وذاك الذي حملني على ما صنعت . (رواه أحمد وابن نصر بسندين صحيحين والطبراني في الأوسط بنحوه )

الثالث :
- 4 ( صحيح ) عن عائشة قالت : كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صل الله عليه وسلم رمضان بالليل أوزاعا يكون مع الرجل شيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة والستة أو أقل من ذلك أو أكثر فيصلون بصلاته فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ففعلت فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة قالت : فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله صل الله عليه وسلم ليلا طويلا ثم انصرف رسول الله صل الله عليه وسلم فدخل وترك الحصير على حاله فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن كان معه في المسجد تلك الليلة ( فاجتمع أكثر ) منهم وأمسى المسجد راجا بالناس.

( فخرج رسول الله صل الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فاصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد ( حتى اغتص بأهله ) من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته .

فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله ) فصلى بهم رسول الله صل الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثم دخل بيته وثبت الناس قالت : فقال لي رسول الله صل الله عليه وسلم ما شأن الناس يا عائشة قالت : فقلت له : يا رسول الله سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد فحشدوا لذلك لتصلي بهم قالت فقال : إطو عنا حصيرك يا عائشة قالت : ففعلت وبات رسول الله صل الله عليه وسلم غير غافل وثبت الناس مكانهم ( فطفق رجال منهم يقولون : الصلاة ) حتى خرج رسول الله صل الله عليه وسلم إلى الصبح ( فلما قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال أما بعد )
أيها الناس أما والله ما بت والحمد لله ليلتي هذه غافلا وما خفي علي مكانكم ولكني تخوفت أن يفترض عليكم ( وفي رواية ولكن خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها ) فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا .

زاد في رواية أخرى قال الزهري فتوفي رسول الله صل الله عليه وسلم والناس على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر.

قلت وهذه الأحاديث ظاهرة الدلالة على مشروعية صلاة التراويح جماعة لاستمراره صل الله عليه وسلم في تلك الليالي ولا ينافيه تركه صل الله عليه وسلم لها في الليلة الرابعة في هذا الحديث لأنه صلى الله عليه وسلم علله بقوله خشيت أن تفرض عليكم .

ولا شك أن هذه الخشية قد زالت بوفاته صل الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة وبذلك يزول المعلول وهو ترك الجماعة ويعود الحكم السابق وهو مشروعية الجماعة ولهذا أحياها أحياها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما سبق ويأتي وعليه جمهور العلماء .

الرابع :
- 5 ( صحيح ) عن حذيفة بن اليمان قال :
قام رسول الله صل الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان في حجرة من جريد النخل ثم صب عليه دلوا من ماء ثم قال ( الله أكبر ) الله أكبر ( ثلاثا ) ذا الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ( ثم قرأ البقرة قال : ثم ركع فكان ركوعه مثل قيامه فجعل يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم ( مثلما كان قائما ) ثم رفع رأسه من الركوع فقام مثل ركوعه فقال : لربي الحمد ثم سجد وكان في سجوده مثل قيامه وكان يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ثم رفع رأسه من السجود ( ثم جلس ) وكان يقول بين السجدتين : رب اغفر لي ( رب اغفرلي ) وجلس بقدر سجوده ( ثم سجد فقال : سبحان ربي الأعلى مثلما كان قائما ) فصلى أربع ركعات يقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة
ج - وأما بيانه صلى الله عليه وسلم لفضلها فهو ما رواه

- 6 ( صحيح ) أبو ذر رضي الله عنه قال : صمنا فلم يصل صل الله عليه وسلم بنا حتى بقي سبع من الشهر فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ثم لم يقم بنا في السادسة وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلنا : يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه فقال :
إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر فصلى بنا الثالثة ودعى أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح قلت : وما الفلاح قال السحور
رواه ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة والطحاوي في شرح معاني الآثار وابن نصر والفريابي والبيهقي وسندهم صحيح ]

والشاهد من الحديث قوله : " من قام مع الإمام . . . " فإنه ظاهر الدلالة على فضيلة صلاة قيام رمضان مع الإمام يؤيد هذا ما ذكره أبو داود في المسائل ( ص 62 ) قال :
سمعت أحمد قيل له : يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده ؟

قال يصلي مع الناس وسمعته أيضا يقول :
يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه قال النبي صل الله عليه وسلم : " إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له بقية ليلته " ومثله ذكر ابن نصر ( ص 91 ) عن أحمد ثم قال أبو داود : " قيل لأحمد وأنا أسمع : يؤخر القيام - يعني التراويح - إلى آخر الليل ؟
قال : لا سنة المسلمين أحب إلي.

2 - لم يصل صلى الله عليه وسلم التراويح أكثر من ( 11 ) ركعة
وبعد أن أثبتنا مشروعية الجماعة في صلاة التراويح بإقراره صل الله عليه وسلم وفعله وحضه فلنبين كم كانت عدد ركعاته صل الله عليه وسلم في تلك الليالي التي أحياها مع الناس فاعلم أن لدينا في هذ المسألة حديثين :

الأول :
- 7 ( صحيح ) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صل الله عليه وسلم في رمضان فقالت :
ما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة
يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن
ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن
ثم يصلي ثلاثا
رواه البخاري ومسلم وأبو عوانة وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك وعنه البيهقي وأحمد
وفي رواية لابن أبي شيبة ومسلم وغيرهما : كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشر ركعة بالليل منها ركعتا الفجر.

لكن جاء في رواية أخرى عند مالك وعنه البخاري وغيره عنها قالت كان يصلي بالليل ثلاث عشر ركعة ثم يصلي اذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين.
( قال الحافظ يحتمل أن تكون إضافة إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين ]
- 8 ( صحيح )


ملخص الرسالة
لقد طالت بحوث هذه الرسالة فوق ما كنا نظن ولكنه أمر لا مناص لنا منه لأنه الذي يقتضيه النهج العلمي في التحقيق فراينا أخيرا أن نقدم إلى القراء الكرام ملخصا عنها لكي تكون ماثلة في ذهنه فيسهل عليه استيعابها والعمل بها إن شاء الله تعالى فأقول :
يتلخص منها :

أن الجماعة في صلاة التراويح سنة وليست :لأن النبي صل الله عليه وسلم صلاها ليالي عديدة وإن تركه لها بعد ذلك إنما خشية أن يظنها فريضة أحد من أمته إذا داوم عليها وإن هذه الخشية زالت بتمام الشريعة بوفاته صل الله عليه وسلم .

وأنه صل الله عليه وسلم صلاها إحدى عشرة ركعة وأن الحديث الذي يقول أنه صلاها عشرين ضعيف جدا .

وأنه لا يجوز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة لأن الزيادة عليه يلزم منه إلغاء فعله صل الله عليه وسلم له وتعطيل لقوله صل الله عليه وسلم :
صلوا كما رأيتموني أصلي.
ولذلك لا يجوز الزيادة على سنة الفجر وغيرها .

وأننا لا نبدع ولا نضلل من يصليها بأكثر من هذا العدد إذا لم تتبين له السنة ولم يتبع الهوى .
وأنه لو قيل بجواز الزيادة عليه فلا شك أن الأفضل الوقوف عنده لقوله صل الله عليه وسلم : خير الهدي هدي محمد .

وأن عمر رضي الله عنه لم يبتدع شيئا في صلاة التراويح وإنما أحيا سنة الاجتماع فيها وحافظ على العدد المسنون فيها وأن ما روي عنه أنه زاد عليه حتى جعلها عشرين ركعة لا يصح شيء من طرقه وأن هذه الطرق من التي لا يقوي بعضها بعضا وأشار الشافعي والترمذي إلى تضعيفها وضعف بعضها النووي والزيلعي وغيرهم .

وأن الزيادة المذكورة لو ثبتت فلا يجب العمل بها اليوم لأنها كانت لعلة وقد زالت والإصرار عليها أدى بأصحابها في الغالب إلى الاستعجال بالصلاة والذهاب بخشوعها بل وبصحتها أحيانا .

أن عدم أخذنا بالزيادة مثل عدم أخذ قضاة المحاكم الشرعية برأي عمر في إيقاع الطلاق الثلاث ثلاثا ولا فرق بل أخذنا أولى من أخذهم حتى في نظر المقلدين وأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أنه صلاها عشرين ركعة بل أشار الترمذي إلى تضعيف ذلك عن علي .

وأنه لا إجماع على هذا العدد .

وأنه يجب التزام العدد المسنون لأنه الثابت عنه صل الله عليه وسلم وعن عمر وقد أمرنا باتباع سنته صل الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين .

وأن الزيادة عليه أنكره مالك وابن العربي وغيرهما من العلماء .

وأنه لا يلزم من إنكار هذه الزيادة الإنكار على الذين أخذوا بها من الأئمة المجتهدين كما لايلزم من مخالفتهم الطعن في علمهم أو تفضيل المخالف عليهم في العلم والفهم .

وأنه وإن لم تجز الزيادة على الإحدى عشرة ركعة فالأقل منه جائز حتى الاقتصار على ركعة واحدة منها لثبوت ذلك في السنة وقد فعله السلف .

وأن الكيفيات التي صل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر كلها جائزة وأفضلها أكثرها والتسليم بين كل ركعتين .

هذا آخر ما يسر الله تبارك وتعالى لي جمعه في صلاة التراويح فإذا وفقت فيها للصواب فالفضل لله تبارك وتعالى وله الفضل والمنة وإن كانت الأخرى فأنا أرجو كل من يقف فيها على ما هو خطأ أن يرشدنا إليه والله تبارك وتعالى يتولى جزاءه .

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
وصل الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .