الخميس، 20 سبتمبر 2012

اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا







اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا


الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

 اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .

قوله: { اتق الله } فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها.
وقوله: { اتق الله حيثما كنت } في أي مكان كنت، فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه، ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد، فإن الله تعالى يراك حيثما كنت فاتقه حيثما كنت.

وقوله: { وأتبع السيئة الحسنة } يعني اعل الحسنة تتبع السيئة، فإذا فعلت سيئة فأتبعها بالحسنة ومن ذلك - أي إتباع السيئة بالحسنة - أن تتوب إلى الله من السيئة فإن التوبة حسنة.
وقوله: { تمحها } يعني الحسنة إذا جاءت بعد السيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114].

وفي هذا الحديث من الفوائد:
حرص النبي على أمته بتوجيههم لما فيه الخير والصلاح، ومنها وجوب حرص تقوى الله عزوجل في أي مكان كان ومنها وجوب التقوى في السر والعلن، لقوله : { اتق الله حيثما كنت }.

ومن فوائد هذا الحديث:

 الإشارة إلى السيئة إذ اتبعها الحسنة إذا اتبعتها الحسنة فإنها تمحوها وتزيلها بالكلية، وهذا عام في كل حسنة وسيئة إذا كانت الحسنة هي التوبة، لأن التوبة تهدم ما قبلها، أما إذا كانت الحسنة غير التوبة وهو أن يعمل الإنسان عملاً سيئاً ثم يعمل عملاً صالحاً فإن هذا يكون بالموازنة فإذا رجح العمل السيئ زالأُره كما قال تعالى:

 وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47]

 ثم قال: { وخالق الناس بخلق حسن } عاملهم بالأخلاق الحسنة بالقول والعمل، فإن ذلك خير وهذا الأمر، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الاستحباب.
فيستفاد منه: مشروعية مخالفة الناسب الخلق الحسن وأطلق النبي كيفية المخالفة، وهي تختلف بحسب أحوال الناس فقد تكون حسنة لشخص، ولا تكون حسنة لغيره، والإنسان العاقل يعرف ويزن.

وقد ركز الإسلام على موضوع الأخلاق تركيزاً كبيراً وهاماً ، ليس كنمط لحياة إسلامية راقية فقط، بل كوسيلة للوصول إلى أعلى مراتب الإنسانية وتطوير الذات، فمن الممكن تعريف الأخلاق على أنها التعامل مع النفس ومع الآخرين بما يتماشى مع القيم الإسلامية الإنسانية السامية، كما قال الرسول الأكرم: (الدين النصيحة).

وأسمى ما يتوصل إليه الإنسان في الأخلاق هو ما يُمَكِّن الإنسان من أن يصل إلى ما خلقه الله سبحانه من أجله، وأن يكون خليفة الله على الأرض

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ.. (البقرة:30)

 ويتصف بحق بصفات الله سبحانه وتعالى فيؤثر فيما حوله ومن حوله بصورة إيجابية .
 وقد حثت جميع الأديان السماوية على الأخلاق الفاضلة، وإن اختلفت في بعض التفاصيل، وجاء الإسلام ليتممها كما قال الرسول الأكرم، صل الله عليه وسلم:

إنَّما بعثت لأتمم صالح الأخلاق

، فجميع الأديان ترى الصدق والأمانة ومساعدة الآخرين من الفضائل، وترى الكذب والخداع والزنا من الرذائل.

 قال ابن كثير رحمه الله تعالى فى ذلك : (يطهرهم من رذائل الأخلاق، ودنس النفوس، وأفعال الجاهلية).
 حسن الخلق وجه طليق ، وكلم لين ، وقال تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً... (الأحزاب: 70-71)

 وأفض المؤمنين أحسنهم أخلاقاً ،روى الإمام ابن ماجة بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:

كنت مع رسول الله صل الله عليه وسلم فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي صل الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال أحسنهم خلقا. قال: فأي المؤمنين أكيس؟ قال أكثرهم للموت ذكرا، وأحسنهم لما بعده استعدادا، أولئك الأكياس.

 وجاءت الأحاديث تدلل على أن أحسن المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا:
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صل الله عليه وسلم قال:

إن من خياركم أحسنكم أخلاقا. متفق عليه.

وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سئل صل الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق.

وفيه أيضا عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال:
ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء.

وروى أبو أمامة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قوله:
أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه (رواه المنذري بسند حسن)..

 فانظر كيف جعل أعلى بيوت الجنة لمن حسنت أخلاقهم.




اتَّقُوا اللَّهَ


قَالَ تَعَالَى : وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [ النِّسَاءِ : 131 ] . 

وَأَصْلُ التَّقْوَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخَافُهُ وَيَحْذَرُهُ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْهُ ، فَتَقْوَى الْعَبْدِ لِرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَخْشَاهُ مِنْ رَبِّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَعِقَابِهِ وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ فِعْلُ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابُ مَعَاصِيهِ .

وَتَارَةً تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :

 وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [ الْمَائِدَةِ : 96 ] ، وَقَوْلِهِ :

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ الْحَشْرِ : 18 ] ، فَإِذَا أُضِيفَتِ التَّقْوَى إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَالْمَعْنَى : اتَّقُوا سُخْطَهُ وَغَضَبَهُ ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَا يُتَّقَى ، وَعَنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ عِقَابُهُ الدُّنْيَوِيُّ وَالْأُخْرَوِيُّ ، قَالَ تَعَالَى :

وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [ آلِ عِمْرَانَ : 28 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :

هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [ الْمُدَّثِّرِ : 56 ] ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَهْلٌ أَنْ يُخْشَى وَيُهَابَ وَيُجَلَّ وَيُعَظَّمَ فِي صُدُورِ عِبَادِهِ حَتَّى يَعْبُدُوهُ وَيُطِيعُوهُ ، لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَصِفَاتِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ وَقُوَّةِ الْبَطْشِ ، وَشِدَّةِ الْبَأْسِ .

وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [ الْمُدَّثِّرِ : 56 ] قَالَ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :

 أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى ، فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِي إِلَهًا آخَرَ ، فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ  . [ ص: 399 ] 

وَتَارَةً تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى عِقَابِ اللَّهِ وَإِلَى مَكَانِهِ ، كَالنَّارِ ، أَوْ إِلَى زَمَانِهِ ، كَيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :

 وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ آلِ عِمْرَانَ : 131 ] ، وَقَالَ تَعَالَى :
 فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [ الْبَقَرَةِ : 24 ] ، وَقَالَ تَعَالَى : وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا [ الْبَقَرَةِ : 48 ، 123 ] .